الاثنين، 24 فبراير 2014

تيار أمة الخير والإصلاح (تكامل) : وقفة مع موقف العلماء من الصراع في العراق












تيار أمة الخير والإصلاح (تكامل) : وقفة مع موقف العلماء من الصراع في العراق



بسم الله الرحمن الرحيم

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن مكانة العلماء في الأمة الإسلامية مكانة عظيمة لا تدانيها مكانة، ولهم المنزلة العليا في الشرف والرفعة، وذاك متأتٍّ من أن العلماء هم أعلم الناس بالله سبحانه وأعلمهم بشرعه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وبالتالي فهم أعلم الناس بمراد الله من العباد، ولهذا تقع عليهم المسؤولية العظمى في تبليغ دين الله للناس، وتنقيته مما ليس منه، وكذا مسؤولية حماية الأمة في فكرها وعقيدتها من البدع والضلالات والأفكار المستوردة من غير المسلمين مما يراد به هدم الدين وحرف مسيرة الأمة عن الصراط المستقيم والمنهج الرباني والهدي النبوي النقي، وهم موئل الناس في الملمات يكشفون عنهم الغبش ويدفعون عنهم الشبه ويصدعون بكلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم، يقفون بوجه الظلم والطغيان والانحراف، فهم سد الأمة الأمين وسورها المنيع وحصنها الحصين.

وفي ظل الصراع القائم في العراق لنا وقفة مع علماء أهل السنة المعتبرين المتبوعين، وقفة مراجعة للمواقف تتلاءم مع استحقاقات الواقع، تتجلى فيها الدقة والشجاعة وتحمل المسؤولية، فإن من الأمور ما يجب بيانه والفصل فيه لاقتضاء الحال البيان وعدم احتمال التأجيل، لما له من أثر بالغ لدى عموم الناس، وبخاصة إن كان في ذلك تأثير على الرأي العام وتشويش على عقول الناس وخلط للمفاهيم وضرر على الدين وأهله، ويكون الأمر أكثر خطورة في حال كحالنا اليوم ونحن نخوض حربا ضد المالكي ومن معه، حربا مصيرية لأهل السنة بكل ما للكلمة من معنى وسط تخبط واضح للمواقف وغياب لشخصية العالم الذي يرى الواقع بعين الشرع لا بعين نفسه، فيتكلم بما يريده الشارع وتمليه مفاهيم الشريعة ومقاصدها.

فالصراع القائم في العراق أيا كان شكله وأسلوبه ودرجته، بحاجة إلى من يحكم وصفه الشرعي، ويبين حده بشكل واضح لا لبس فيه، بعيدا عن الاعتبارات السياسية فتلك محلها الجانب العملي وليس الجانب النظري، لكي يفهم الناس حقيقة ما يجري ويعملوا على وفق ذلك.

وهذا واجب العلماء بالدرجة الأولى، ولا يجوز لهم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وبخاصة في ظل وجود حملات إعلامية مكثفة للتشويش على حقيقة الصراع وإطلاق أوصاف ما أنزل الله بها من سلطان على ما يجري في الساحة العراقية، وذلك من قبل أن يبدأ المالكي حربه هذه وحتى اليوم، فكنا نسمع من يدندن هنا وهناك ويتكلم في هذه الفضائية أو تلك بأن الحراك شعبي عراقي عام وأنه من كل أبناء الشعب! ويرفض وصف صف الحراك بأنه سني بل يتهم من يتكلم بذلك بأنه (طائفي) أو (غير وطني) وغير ذلك، بل الأدهى هو إصرار هؤلاء على موقفهم رغم تطور الحال من حراك سلمي ومظاهرات واعتصامات سلمية، إلى حرب إبادة شاملة يشنها المالكي ويحشد لها كل ما لديه من قوة عسكرية وإعلامية ومادية، فشرع باستهداف ساحات الاعتصام ورموز أهل السنة وقصف المدن بالمدفعية والدبابات والطائرات ولم تسلم منه حتى المستشفيات.

ورغم تصنيف المالكي للحرب بأنها بين معسكر الحسين رضي الله عنه ومعسكر يزيد، ومنعه قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية، في إعادة لما فعله أسياده من قبل يوم دمروا مدينة الفلوجة المجاهدة غير أن فعله أسوء وجرمته أشنع، مع كل هذا مازال هناك من يصر على أن النزاع سياسي وليس دينيا أو طائفيا.

إن كلاما كهذا خطأ فادح ووهم قاتل، بل هو خطاب يناسب أدعياء الكذبة الكبيرة التي يسمونها (الوطنية)، لأن من أتى بهذه الفكرة -أي الوطنية- لا يرى فرقا بين مسلم وغيره، ولا بين من يسب أمهات المؤمنين ويقع في أعراضهن ويلعن الصحابة رضي الله عنهم جميعا، وبين أهل السنة الذين يدينون بخلاف ذلك تماما فالجميع عنده (عراقيون)، لأن هؤلاء -أي أدعياء الوطنية- لا يعظمون شيئا كتعظيمهم الوطن رغم انتسابهم إلى الإسلام وأدائهم لبعض فروضه، ومن سب الوطن عندهم فقد اقترف جريمة كبرى لا تغتفر، أما من سب الله تعالى أو الدين أو النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر شخصي يتعلق بتدين الشخص ومذهبه وفكره وثقافته، ولهذا فهم يقولون إن النزاع في العراق نزاع سياسي وليس طائفيا ليحافظوا بظنهم على ما يسمونه وحدة التراب الوطني والعراق الواحد وغيرها من الترهات التي عفى عليها الزمن وما عاد يؤمن بها الأطفال لما يرون من الأهوال التي جرتها عليهم هذه الأفكار والمفاهيم.

إن قوما كهؤلاء ممن يحملون فكرا لا يميز بين مسلم وغيره إلا بهوية الأحوال المدنية، ويقفون منهما على مسافة واحدة وغير ذلك من السفاهات، نقول مثل هؤلاء لا عتب عليهم فهذا دينهم وهذه عقيدتهم التي صدعوا بها رؤوسنا منذ أن رأينا وجوههم الكالحة حتى يومنا هذا، لكن الغريب صدور هذا الكلام من أناس من أهل الدين ومن حملة الألقاب العلمية والتاريخ الطويل، وتفسيرهم لهذا النزاع والحرب التي يشنها المالكي على أهل السنة هو أن أهدافها سياسية انتخابية!!! وإصرارهم على ذلك لهو أمر يثير الدهشة، فالعالم كله يرى أن المالكي قد جمع الشيعة خلفه وجيشهم جيوشا لقتال النواصب أتباع يزيد الذين قتلوا الحسين بزعمه، والعالم يشهد ان جيش المالكي جيش شيعي بني على أساس طائفي وهذا الجيش مدعوم من قبل الشيعة عموما، ولو لم يكن الأمر كذلك لمنعوا أبناءهم من قتل وقتال السنة وانتهاك حرماتهم كل يوم ولمنعوهم من الالتحاق بهذا الجيش، ولعملوا على تصحيح الواقع المزري في الدولة والحكومة، ولطالبوا المالكي بإعادة حقوق أهل السنة، وما يزيد الأمر غرابة أن نرى الغرب الذي دمر العراق يقر أن النزاع طائفي وأنه هو السبب في عدم استقرار الأوضاع في العراق، وهذا ما لا يراه بعض أبناء البلد مع الأسف الشديد.

ونحن هنا نسأل إن لم يكن النزاع طائفيا فلماذا يستهدف السنة فقط في الحملات الأمنية والاعتقالات والمحاكمات والإعدامات؟ ولماذا تسجن نساء أهل السنة دون غيرهن؟ ولماذا يتهم السني بأنه إرهابي على وفق قانون مفصل بحسب المقاس؟ ولماذا اغتصبت مساجد أهل السنة منذ أكثر من سبع سنوات ولم يرجع منها حجر حتى اليوم؟ ولماذا يحرم السنة من الوظائف والمناصب الحكومية والخدمات والتنمية وإعمار البنية التحتية لمحافظاتهم؟ لماذا قام المالكي أخيرا باستحداث محافظات في مناطق ذات تواجد شيعي في محافظات سنية؟ ولماذا أجهض المالكي إعلان إقليمي صلاح الدين وديالى؟ ولماذا يرفض أصلا فكرة إقامة إقليم عربي سني ويقاتل من أجل ذلك؟

والجواب لأن النزاع طائفي بامتياز تقوده طائفة يرأسها المالكي ضد أمة الإسلام المتمثلة بأهل السنة، لا يريدون أن يبقوا لأهل السنة أثرا، وأتباع المالكي وشيعته اليوم داعمون له جميعهم صغيرهم وكبيرهم جاهلهم وعالمهم الجميع بلا استثناء، فهم لا يتركون صاحبهم ولا يتخلون عنه مهما فعل، ولهذا لم يحاكموا الجعفري وصولاغ وجلاوزتهم على جرائمهم بحق أهل السنة، لكن حماقات المالكي وأخطاءه الكبيرة تجعلهم ينتقدونه لأنه لم ينفذ مخططهم كما هو مفترض، وليس لأنهم (معتدلون وشرفاء)!!! وأما ذلك الخبيث مقتدى الصدر الذي يقول عنه هؤلاء المخدوعون إنه عارض المالكي!!! وطالبه بعدم استهداف المدنيين وغير ذلك!!! في لهجة يعلوها الرضى والقبول!!! فنقول أين آلاف القتلى الذي قتلتهم ميليشيا مقتدى؟ هل عفوتم عن دمائهم؟ وأين المساجد التي أحرقوها وفجروها؟ وأين البيوت التي اغتصبوها وهجروا أهلها؟ هل يصبح مقتدى رجلا مقبولا لأنه انتقد المالكي فحسب؟؟؟ وهل نصدق كلامه وننسى ماضيه المستمر؟؟؟ لا والله حتى يؤدوا حق الدماء التي سفكوها والأرواح التي أزهقوها وحتى ترضى أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، وأنى لها الرضى من انتهك عرضها؟؟؟ وأنى لها الرضى من هتك سترها؟؟؟ وأنى لها الرضى من اعتدي على كرامتها؟؟؟ وأنى لها الرضى من تيتم أطفالها؟؟؟ وأنى لها الرضى من ترملت وفقدت معيلها؟؟؟ ومن ذا الذي يملك أن الحق والجرأة في الكلام نيابة عنها؟؟؟

نقول: إن على العلماء أن يقولوا كلمة الحق ويصدعوا بها على الملأ، فهم الذين يفترض بهم أنهم يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، ولا تأخذهم فيه لومة لائم، وهم حماة الشريعة والذائدون عن حمى الإسلام قبل كل أحد، بهم يقتدي من خلفهم ويهتدي الناس بهديهم، إن نهضوا نهض الناس وإن خنعوا خنع الناس وإن عزوا عز الناس وإن ذلوا ذل الناس، لذا لا عذر لهم في عدم الجهر بالحق وبيان مطلب الشرع، أليس دفع الصائل فرض عين على كل قادر على ذلك؟ أليس ما نحن فيه جهاد دفع فرض عين على كل قادر؟ أليس هؤلاء أضر على أهل الإسلام من أسيادهم المحتلين من قبل؟ ألا يخوضون حربا بالوكالة عن إيران؟ إن لم يتوجب اجتماع المسلمين اليوم لدفع الصائل عن الأرض والعرض وصيانة البيضة وحقن الدماء فمتى يتوجب ذلك؟ أليس إفراد الأنبار وحدها هو مطلب العدو ليفرق صف أهل السنة؟ أليس المسلمون يدا واحدة على من سواهم؟ فإن لم يكن سنة العراق اليوم يدا واحدة بوجه صيال المالكي خلف علمائهم وزعمائهم فمتى يكون ذلك؟ متى يجب النفير العام؟ متى يستدعى الرجال وتبذل الأموال وتسرج الخيول وتسل السيوف وتلبس لامة الحرب؟ أية كريهة أكبر مما نحن فيه اليوم؟ وأي ثغر أحق أن يسد ويقام فيه؟ رحم الله سلطان العلماء العز بن عبد السلام فقد عز مثله في هذه الأزمان.

ألا إن الأمانة في عظيمة وإضاعتها وخيمة وخيمة، فليعد العلماء جوابا بين يدي رب العالمين يوم يسألون عن كل قطرة دم سالت قد تحقنها كلمة منهم، وعن كل نفس أزهقت وفي وسعهم حفظها، وعن عرض انتهك أو حق سلب وفي وسعهم العمل على صيانته وإعادته إلى أهله، فلم يعد في الأمر لبس ولم يعد في قوس الصبر منزع، فإن العالم إن لم يقل كلمة الحق في وقتها وعند حاجتها فلن يجد من يثق به بعد ذلك ولن يجد من يتبعه، وإذا فقد المجتمع المسلم الثقة في علمائه وموجهيه وأهل العلم فيه فقد بوصلته ومناراته الهادية ودلائل الخير فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم أصلحنا وأصلح علماءنا ودعاتنا ومساجدنا وأهل العلم فينا، اللهم اجعلهم منارات هادية إلى الحق، مفاتيح للخير مغاليق للشر، صادعين بالحق لا تأخذهم في الله لومة لائم، اللهم أحقن دماء أهل السنة واصرف عنهم كل سوء يا أرحم الراحمين، اللهم اكفهم شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن، اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



تيار أمة الخير والإصلاح (تكامل)

24 – ربيع الثاني – 1435 للهجرة

24 – شباط – 2014 للميلاد





http://ift.tt/1hjAuOz





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق