الاثنين، 28 أبريل 2014

مؤثر : أخر بيان للشيخ طارق عبد الحليم بعنوان : نهاية الحديث في موضوع الشام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد




تعود بي الذاكرة ثمانية وأربعين عاما، وبالتحديد عام 1966، في القاهرة، حيث بدأت رحلتي العلمية، بُعيد استشهاد سيد قطب رحمه الله، ثم ولوجي ساحة العمل الإسلامي، والذي كنت أرقبه عن كثب من ساعتها، في عام 1977. وقد قضيت تلك السنين أميل للأكاديمية، بمعنى البحث والتدوين، ولم أدخل ساحة السياسة، لا العامة ولا الساحة الإسلامية، انتماءً لأي اتجاه أو تنظيم قط.



ثم وقعت الثورة التونسية، فكانت كزلزال هز العالم الإسلامي كله، وخاصة من يهتم منهم بأمور المسلمين والإسلام. ثم جاءت إرهاصات الحركة المصرية، فولجتُ المعترك السياسي الإسلامي، كتابة واتصالاً. وبدأت تدوين أحداث الحركة المصرية، يوماً بيوم، إثباتاً وتحليلاً، حتى بلغت مقالاتها 550 مقالاً، في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة.

ثم سقطت الثورة المصرية، بعمل الإخوان، وخيانتهم للمنهج الإلهي في التغيير، واتخاذهم "المشاركة لا المغالبة" طريقاً، فحاولوا أن يضعوا أيديهم في أيدى الشياطين، فكان أن أسقطهم الشياطين، وقضوا عليهم، وعلى أمل مصر في التغيير، وعادوا بها ستة عقود للوراء، في عامٍ واحد.





فما كان منا إلا أن التفتنا إلى ساحة الشام، في نوفمبر من العام الماضي، والتي رأيناها واعدة بالجهاد، ففرحنا واستبشرنا، على توجّس وتحسس. ذلك أن أنباء انشقاقات وخلافات، كانت قد بدأت تظهر على السطح، منذرة بما لا يُحمد عقباه.

فما كان منا إلا أن بدأنا رحلة النظر في تلك الأحداث، وفي الجماعات المُمثلة في الساحة. وقد قلنا وقتها أن الحق لا يكون في جماعة واحدة، بل يتوزع بين الجماعات، فمنها ما يكون الحق فيه أوفر من الباطل، ومنها ما يكون فيه الباطل أكثر من الحق. ورأينا، وقتها، بما كان مكشوفاً لدينا من معلومات، أن جماعة الدولة أوفر حقاً من غيرها، لبادئ الرأي، وإن كان قد بُذر في النفس، حتى في وقتها، بعض توجّس وتحسس، كنا نتهرب منه، بالتبرير والإغضاء، أملاً في نصرة الجهاد، وأصحاب الحق الأوفر فيه.




وقد عتبنا على الكثير ممن كتب ضد هذه الجماعة وقتها، وألحينا عليهم، وشددنا. وقد يقول قائل، فأنتم إذن كنتم مخطئين وهم مصيبين؟ ونقول ليس ضرورة. فإننا لم نر وقتها من ينقد بشكلٍ شرعيّ موثق. بل يُظهر عداءً بلا توثيق ولا تأسيس شرعيّ. ومن ثم، كان ردّنا، حتى على بعض من نُكِنُ لهم احتراما وتقديراً مثل الدكتور أكرم حجازي. وكنا في موقفنا هذا، قريبين من موقف د هاني السباعيّ، وإن كنا أكثر وضوحاً في دعم هذه الجماعة ونصرتها.



ثم تكاثرت الأحداث التي بيّنت خلل المنهج لدي هؤلاء، وأنّ مثلهم مثل جماعة الزوابري في التجربة الجزائرية.

وقد قمنا بمحاولة التواصل مع مسؤولي الجماعات الجهادية في تلك الساحة، لمحاولة رأب الصدع. لكن باءت تلك المحاولات كلها بالفشل. ونشهد الله أنه لم يُفشلها إلا جماعة الدولة، قصداً وعمداً.

وقد دوّنا، بعون الله أكثر من ثلاثين مقالاً وبحثا في تلك الأحداث[1] ، وعدد من التسجيلات، نشرح ونُبين ونُأصل، أكثر مما فعل أنصار الجماعات ومنظريها أنفسهم.




ثم، لمّا تبيّن لنا الحق في هذه الساحة، صدعنا به، ولم نبال بأنصار أو معارضين، وما نتعرض له من سفالة وانحطاط وخسة طباع، لم نر لها مثيلاً ولا من شعب السيسي، يشهد الله. ويكفينا أن أنصارنا في هذا الدرب هم أمثال الشيخ الدكتور أيمن الظواهري، والشيخ د السباعي والشيخ العلوان والشيخ المقدسي والشيخ أبو قتادة الفلسطيني ود أكرم حجازي، وغيرهم من أهل الفضل، فدليل المرء خليله، لذلك قال صلى الله عليه وسلم "فلينظر أحدكم من يخالل"، والخلة هنا هي خلة الرأي والنظر، وهي الأعلى والأبقى. ولا نرى والله لهم خلة إلا مع أمثال وليم وزيدان وبوادي، نكرات الأردن! وبقية تلك الطبقة من الغرّ المُصْطَنَعين، لا علم ولا تقى. والظاهر أن عدد هذه الجماعات حقيقة لا يزيد عن عدة مئاتٍ في كل جماعة، يتقاتلون بينهم. كيف والرقة لا يزال بها الفرقة 17 التابعة للنظام، ثم تدعى جماعة الدولة أنها مسيطرة عليها! و"الدولة"، في حقيقة الأمر، موجودة على تويتر لا على الأرض ، كما يسمونها بالإنجليزية Virtual State!




ولا يعنى هذا أننا ننصر أو نؤيد من عدا هذه الجماعة، لا والله، بل لا زلنا نرى خللا، يصغر ويكبر في بقية الجماعات، كلّ حسب تصرفاته وتورطاته. ونرى الحاجة ماسة إلى أن يراجهوا منهجهم ويعدّلوا مسيرتهم حسب ذلك. لكنّا لا نراهم، بالجملة، من يصول في المقام الأول، ولا من يكالب بالدماء، بلا اعتداء، إلا أن يكون تحريضاً في وقت دفع الصائل، كما رأينا من شرعيّ النصرة إبان هجوم تعرضوا له.

كما أننا لم نر منهم، في الأوقات التي هاجمناهم فيها، فجرا في الخصومة وسفالة وانحطاطا يربأ صاحب دين أو خلق أن ينزل اليه في الألفاظ والأوصاف التي استخدمها أكثر مناصري تلك الجماعة الحرورية، مما يجعلهم أسوأ جماعة ظهرت على الساحة، الجهادية وغير الجهادية، وهو ما تبرره حروريتهم البدعية. بل قد هاجمنا الشيخ الجولاني وغيره، فلم يصلنا لفظ ناب من أي من أتباعهم، وكما قيل "الطيور على أشكالها تقع".



وقد رأينا أن ننسحب من هذا الميدان، فقد أعذرنا وأنذرنا، وحاجَجنا وأصّلنا. وبعد أن رأينا كثيرا من رويبضات هذا العصر، مثل من ذكرنا وكثير غيرهم ، يتخذون هذه الساحة كبورصة ترفع أسهم المتنافسين، أو كساحة سباقٍ للشهرة، وهو ما نأينا بأنفسنا عنه طيلة الأربعين عاما الماضية حتى ولجنا الساحة إبان الثورة المصرية، كما ذكرنا.

وعلى كل حال، فإننا لا نجد جديداً نقدمه لهذه الساحة، فلم يبق إلا أن نتخذ منها جانباً، وندع أهل الشام، ومنظّرى الجماعات يتولون أمرها، وما بقي علينا إلا الإرشاد والنصح لمن أراد التواصل.



كما لا يعنى هذا أننا سننصرف كلية عن تلك الساحة، فهذا لا يكون من مسلم يهتم بشؤون المسلمين، ويضيق لضيقهم، ويكرُب لكربهم. بل سنبقي متابعين، وناصحين، متى وجدنا لذلك نفعاً بعد أن استنفذنا ما يمكن أن يقال في مقالاتنا السابقة.


ونشهد الله إننا لم نكفر أحداً من أهل القبلة، ولم نحرّض أحداً على قتال أحدٍ، إلا من صال، بل قلنا بتبديع جماعة بعينها، إذ هو ما يمليه علينا ديننا، وما فعله أكابر علماء أهل السنة من قبل مع كثير من أهل البدع، إلا من والى بشاراً والنظام موالاة كفر بيّن، والعلمانيين ومن ظاهر المشركين على حرب المجاهدين بمال آل سلول، كراهة في نصرة دين الله ورسوله الله صلى الله عليه وسلم.

وقد شرعنا في كتابة مبحث تحليليّ عام بعنوان "قيام دولة الإسلام .. بين الواقع والأحلام – دراسة سياسية تحليلية"، تعتني بفكرة بناء الدولة في الحركات الإسامية المعاصرة، سننشرها تباعاً إن شاء الله تعالى







والله المستعان

د طارق عبد الحليم




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق